التعليم المنزلي ( البديل ) بين الحاضر والمستقبل
منذ القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر كان التعليم بالمنزل هو النظام المنتشر و السائد والمتعارف عليه، ومن خلاله نبغ الكثير من علماء العالم -ثم بعد ذلك انتشرت المدارس بشكلها التقليدي الحديث تحت سلطة الدولة ووفق أيدلوجيات وتوجهات حكامها وساداتها لبناء أجيال لها نفس الفكر والسياسة والتوجه – والآن في القرن الواحد والعشرين بدأ من جديد الرجوع بقوة لنفس النمط التعليمي القديم مرة أخرى.
تزايد نسب الإقبال نحو التعليم المنزلي (البديل)
في السنين الماضية تزايد الإقبال من جديد نحو التعليم المنزلي ( البديل ) حيث تشير الاحصائيات أن هناك ما يقرب من مليوني طفل في الولايات المتحدة الأمريكية يدرسون من خلال التعليم المنزلي. وقد أثبتت الإحصائيات أن العدد يزداد بنسبة 10% سنوياً. كما أكدت أن الأطفال الذين يتلقون تعليمهم من المنزل يؤدون جيداً في الإختبارات عكس الأطفال الذين يدرسون في المدارس.
والنسب المئوية للمنتسبين لهذا التعليــم المنزلي ليست في تصاعد فحسب، بل في قفزات واسعة بشكل كبير، واللافت للنظر أن هذا التصاعد والتضاعف أكثر سرعة في المجتمعات الأكثر وعيـــاً ،وقد تجاوز عدد المنتسبين فعليـــاً للتعليم المنزلي في الولايات المتحدة الأمريكية سبعة ملايين طالب.
وتشير الاحصائيات كذلك إلى أن أكثر من يذهبون للتعليم بالمنزل هم الأسر المحافظة ذات التوجهات الدينية (بالأخص الكاثوليك ) وهذا خوفا على أبنائهم من الفكر العلماني و الإلحادي الموجود بالمناهج التعليمية و بعقول المعلمين والمعلمات .
مزايا التعليم المنزلي ( البديل)
أولاً : تجنب مثلث الخطر:
في المنظومة التعليمية التقليدية نجد أبناءنا محاصرين في مثلث خطير أضلاعه الثلاثة هي :
(المعلم – المنهج – البيئة )
- المعلم الذي لا نعلم مدى أهليته التربوية لهذا الموقع وتأثيره في نفوس أبنائنا .
- المناهج التي لا تراعي ديننا و ثقافتنا وواقعنا المعاصر وماهي إلا نتاج غربي مادي يعظم من المادية في قلوب أبنائنا.
- البيئة الاجتماعية غير المنضبطة وغير المتحكم في مكوناتها ومدى تأثيرها في تكوين الأبناء.
ثانياً : مراعاة الفروقات الفردية :
المنظومة التعليمية الحالية لا تراعي الفروقات الفردية بين الأبناء واختلافاتهم العقلية والنفسية ، بل على النقيض نجد أن المدرسة ما هي إلا أداة لقولبة العقول على فكر ونمط واحد وقتل الإبداع والابتكار في أبنائنا .
في علم أنماط الشخصية يتم تصنيف البشر إلى 16 نمط وفق أشهر المقاييس العالمية – لذا فمن الظالم لأبنائنا أن نربيهم ونعلمهم جميعاً بنفس الأسلوب والطريقة – بل لابد من صياغة الأسلوب الأنسب لكل ابن على حدى دون وضعه في مقارنة دائمة مع أقرانه وزملائه – فلكل ابن نمطه الفريد من نوعه وطريقة التعليم الأنسب لشخصيته .
ثالثا ً : التفوق الواضح لطلاب التعليم المنزلي
أشارت بعض الدراسات الأمريكية أن التعليم المنزلي يختلف عن أسلوب التعليم العادي، حيث يخلق جيلاً يحقق نجاحاً باهراً في حياته الجامعية، ويثبت ذاته في حياته العملية.
ووفقا للمعهد الوطني لبحوث التعليم المنزلي بالولايات المتحدة الأمريكية تُظهر 69٪ من الدراسات التي تمت مراجعتها من قِبل خبراء أن البالغين الذين تلقوا تعليمهم في المنزل ينجحون ويحققون أداءً أفضل إحصائيًا من أولئك الذين التحقوا بالمدارس المؤسسية الحكومية أو الخاصة .
رابعاً : تركيز الأسرة بلا مشتتات في عملية الغرس القيمي والعقائدي لأبنائها بالأخص في السنوات الأولى من حياتهم والتي تعد سنوات ذهبية في البناء الفكري والعقائدي الراسخ في شخصيات الأبناء فكما قالوا قديماً ” التعليم في الصغر كالنقش على الحجر “
وبهذا يتم حماية الأطفال في السن المبكر من السلوكيات السلبية التي يتم اكتسابها نتيجة الاختلاط مع آخرين من ثقافات وبيئات مختلفة – فالطفل في هذا العمر الصغير لايمتلك أي مكون داخلي يمَّكِنه من التصدي لسطوة ثقافة الآخرين المغايرة – لذا لابد من حمايته من الانفتاح على بيئات جديدة غير متحكم في مكوناتها قدر الاستطاعة حتى يزيد نضجه النفسي والعقلي ويصبح جاهزاً للمواجهة .
خامساً : تكوين علاقة قوية بين الأبناء والأهل وقضاء المزيد من الوقت معهم .
فحجر الأساس في العملية التعليمية والتربوية دائما وأبداً هو الأسرة وفي قلبها الأم وأي مدخلات أو مكونات أخرى (كالمعلم على سبيل المثال ) هي عناصر جانبية داعمة ومكملة للجهد الأسري ..فالأسرة بمثابة النواة وباقي أجزاء المنظومة بمثابة الإلكترونات التي تدور حول هذه النواة ..
وبهذا يمكن مساعدة الأطفال ومرافقتهم في فترة المراهقة الصعبة، والتي يكون الأطفال فيها بعيدين كل البعد عن الأهل.
أما ما نشاهده اليوم من تعليم وتربية يعتمدان بشكل شبه كلي على المعلم الخارجي هو شكل غير صحيح ولا منضبط للعملية التعليمية والتربوية للأبناء .
سادساً : الحفاظ على الوقت
يعتبر التعليم المنزلي (البديل) أسلوب فعال وبشكل ملحوظ في الحفاظ على الوقت الضائع بالتعليم التقليدي واستثمار هذا الوقت بشكل أفضل في تعليم الأبناء وتنميتهم .
سابعاً : تنشيط ملكة التعلم الذاتي
في المراحل العمرية المتقدمة للأبناء المتعلمين خارج المنظومة المدرسية التقليدية نجد أن ملكة التعلم الذاتي لديهم قد أصبحت قوية للغاية ويمارسونها بشكل تلقائي مما يزيد من نبوغهم وتفوقهم ومهاراتهم – بخلاف المنظومة المدرسية القائمة على التلقين معظم الوقت .
ثامناً : تنوع استراتيجيات التعليم والتربية المتبعة
يوجد العديد من الاستراتيجيات وطرائق التعليم المختلفة التي يتم اتباعها في التعليم المنزلي ( البديل ) فتعطي أفضل النتائج التعليمية والتربوية في أسرع وقت وبأقل جهد .
مثل :-
استراتيجية النمذجة والمحاكاة .
استراتيجية المشروعات.
استراتيجية التعلم بالاكتشاف وحل المشكلات.
استراتيجية السرد القصصي والتعلم باللعب.
استراتيجية الأسئلة النقاشية.
استراتيجية التعلم بالتخيل والتفكر والعصف الذهني.
استراتيجية التعلم الذاتي والتعاوني .
وفي المنظومة التعليمية التقليدية يندر الاهتمام بمثل ذلك من استراتيجيات تعليمية متميزة .
تاسعاً : التوازن في عملية البناء التعليمي والتربوي
في أغلب المدارس تميل كفة تعليم العلوم الطبيعية والإنسانية على غيرها من محاور تكوين شخصية الابن – بينما في التعليم المنزلي (البديل) نجد الفرصة لمزيد من التوازن في عملية البناء.
فيكون هناك عدة محاور تركز عليها الأسرة وهي:
أولاً : محور البناء الأخلاقي والسلوكي.
( الآداب العامة – الأخلاق –السلوكيات – الخ )
ثانياً : محور العلوم الطبيعية والإنسانية
(اللغات – الرياضيات – علوم الكون والآلة – الخ)
ثالثاً : محور البناء الشرعي والفكري
( العبادات – السيرة –التاريخ- القران –العقيدة – الفكر – الخ)
رابعاً: محور البناء المهاري.
( المهارات الحركية و الحسية –المهنية والفنية –الاجتماعية –الرياضية – الخ)
خامساً: محور البناء الاجتماعي.
( الأصدقاء – الروابط الأسرية – التجمعات –الرحلات –المخيمات – الخ)
عاشراً : المرونة
التعليم المدرسي يعني الالتزام بموعد ثابت كل يوم لإرسال الطفل إلى المدرسة وقد يكون هذا الوقت ليس الوقت المناسب لتفاعل الطفل واستيعابه – بينما يتيح التعليم المنزلي فرصة تعديل الجدول الزمني والحفاظ عليه مرناً واختيار الأوقات التعليمية الأنسب لاستيعاب الأبناء بشكل أفضل.
احدى عشر : بيئة تعلم آمنة ومريحة وخالية من الضغوط
قد لا تتمكن بعض المدارس من توفير بيئة تعليمية آمنة ومريحة خالية من التعصب أو التنمر أوالمشكلات الأخلاقية ، مما قد يضر بقدرة طفلك على التعلم. أما كونك في المنزل، يمكنك التحكم في البيئة والتكيف معها بما يناسب طفلك على أفضل وجه.
كذلك التركيز على تعليم طفل واحد أفضل كثيرا من التعليم المدرسي الذي يكون عدد الطلاب فيه كبير جدا في الصف المدرسي .
سلبيات التعليم المنزلي
كما لكل مسار ايجابيات فطبيعي أن يكون هناك سلبيات له .
1-الجهد الكبير
إذ أنه يتعين على الوالدين بذل الكثير من المجهود لتعليم الأطفال منزلياً، لذا يجب على الوالدين مساندة بعضهما البعض أو الاستعانة ببعض المعلمين الخارجين للمساندة أو بعض المؤسسات المتخصصة في هذا النمط التعليمي مثل أكاديمية قِبلة الدولية للتعليم البديل.
2-تطور القدرات الاجتماعية للأبناء
هذه الجزئية من أكبر التحديات التي تواجه أصحاب التعليم المنزلي (البديل) – و لتطوير المهارات الاجتماعية للأبناء لابد للأسرة التي تعلم أبنائها خارج المنظومة التقليدية أن توفر لهم بيئة اجتماعية موازية من الأصدقاء في شكل منظم (أصدقاء المسجد -النادي الرياضي – دورات خارجية – برامج تربوية أو دينية أو مهارية – رحلات -مخيمات – زيارات الأقارب – زيارات الأصدقاء – حفلات ومناسبات عامة —- الخ ) من الفعاليات الاجتماعية التي تطور من مهارات الأبناء الاجتماعية وبهذا يتم حل هذه الإشكالية وفقا لكثير من تجارب أسر متمرسة في نمط التعليم المنزلي(البديل).
- غياب المعلم المربي القدوة الذي يساعد الأسرة ويخفف عنها العبء التربوي ..فنحن جميعا نذكر أن من أكثر الشخصيات التي تعلمنا منها وأثرت في شخصياتنا هم معلمينا في الماضي ..وبالفعل هذا قد لا يتوافر بالتعليم المنزلي (البديل) – ولكن لابد أن ندرك أن الزمان قد تغير وقيم وأفكار المعلمين كذلك تبدلت وتغيرت ولم يعد من الآمن أن نترك أولادنا لأي معلم تضعه المدرسة لتعليمه وتربيته .. لذا في التعليم البديل (المنزلي) يمكنكم ببساطة اختيار هذا المعلم المربي بأنفسكم ليكون مشاركاً في العملية التربوية والتعليمية للأبناء تحت أنظار الأسرة وتقييمها الدائم لهذه العلاقة التعليمية الجانبية وتستطيع أن تساعدكم في ذلك إحدى المؤسسات المتخصصة بالتعليم البديل مثل مدرسة قبلة الدولية .
4 . غياب التنافسية المحفزة بالتعليم
فكثيرا مايتحفز الطلاب ببعضهم البعض في التعليم وهذه الروح التنافسية تكون جيدة في تنشيط التعلم لدى الأبناء .
ولكي تتخطاها الأسرة تحتاج بذل بعض الجهود لذلك ولدينا الكثير من التجارب الناجحة التي استطاعت إدارة هذا التحدي بنجاح كبير وأثمرت نتائج مذهلة .
وفي الختام،، إذا كنت ترغب في حصول طفلك على نظام تعليمي وتربوي مميز، فإن التعليم المنزلي (البديل) هو خيارك الأمثل في هذا الزمان المليء بالتحديات والتهديدات التربوية والنفسية لأبنائنا .
وعقباته كلها أصبح لها حلول ونمط للتعامل معها – وكثير من التجارب الناجحة تؤكد ذلك .
ونتذكر دوما أن الأسرة هي النواة و الأصل في التعليم والتربية وماحولها من مكونات أخرى ما هي إلا عوامل مساعدة ومكملة لا أكثر – ولا يصح أبداً أن يحل الفرع مكان الأصل .
قال تعالى :
” وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً “
صدق الله العظيم